بين البارحة واليوم - الجزء الثاني والأخير


قالت لهُ والدتُه : " سنذهب يا بُني ... إلى تلك المدينة ... حيث أختي وأولادها ... ستنال تعليماً أفضل و حياةً أجمل ... أنت وأخاك الأكبر " ... لم يُعارض بل بان عليه الترحيب بالفكرة وبدأ بالتحضر ... ولكنه لم يُخبر أحداً ... كي لا يُخبرها أحد ... فليس من المهم أن تعلم ... بل ربما لو علمت لن تهتم ... وهو غير مستعد لتقبل هذه الفكرة ... بل قال في عقله ... فلتهنأ باللعبة و لتعيش معها ... سأدعها تبقى معكِ إلى الأبد ... ولتحس بالندم إن أحسّت بعدما أذهب ... إبتسم ... فقد أعجبه هذا الإنتقام !

كان يوماً عادياً أو هكذا هي حسبته ... إجتمعوا جميعاً ... إبتسمت له عندما رأته ... ولكنه لم يرد لها الإبتسامة ... لم تفهم قصده يومها ... ولكنها يوماً ما فهِمته ! ... بدأت عيناها تنتقل من شيءٍ لاخر بلا اهتمام ... ظن أنها حزينة وقد علمت عن سفره فبدأ بمراجعة قراره بالكلام ... وكاد يُعلن الإستسلام ... فجأة انفرجت إبتسامة واسعة عن شفتيها أظهرت أسنانها ... إبتسامة تنم عن فرحة من القلب ... ها هي رحاب قد أحضرت لُعبتها التي إستعارتها منها منذ البارحة ... لقد إشتاقت لها كثيراً ... فتركت المجموعة بدون إستئذان و ذهبت لتحضن اللعبة ... و تلتمس وجهها الذي بدأ يضحك وضحكت معه ... عندما إنتهت من اللعب مع بعض الشلّة باللعبة كعادتهن ... إنتبهت بأن أغلب المجموعة قد ذهبت ... غضبت لأنه لم يودعها ... ولكنها تعرف بأنها ستلقاه غداً ... فلم تهتم !

                                                     
في الغد ... وبعد الغد ... وبعد سنين من الغد لم يأتِ ... ولم يظهر ... إشتاقت لهُ كثيراً ... كانت تحاول معرفة أخباره مِن الجماعة ... كبروا ... لم تكن تدري سبب خجلها من السؤال عنهُ مباشرة ... بل وحتى لم تطلب أي وسيلة إتصال به ... مباشرة ... مع إنها كانت تود أن تطمئن عليه بكل الطرق ... ساعدها ذكائها أحياناً ... وخيّب أمالها أحياناً أكثر ... كانت تمضي بالحياة ... وتعلم بين فترة وأُخرى بأنه أيضاً يفعل ... أتى مرتين إلى القرية و غادرها من قبل حتى أن تعلم ... والتقى ببعض أفراد الجماعة ومعها لم يفعل ... لكنها كانت واثقة بأنه ... حتماً حتماً ... ما زال يُحبها ... ما زالت هي صديقته الأفضل ... ألم تكن هكذا دوماَ ؟ ... ولكن ربما أصبح له الان أصدقاء أُخُر ... ولكنه ما زال يملك معها من الذكريات الأجمل ... لم تكن متأكدة ... ولكن كعادتها تحلّت بالتفاؤل والأمل ... وتركت الأمر في بالها يقف عند الإحتمالات الأجمل ...

لقد أصبحت انسة ... تُطيل شعرها ... تهتم بأناقتها ... تملك صديقات تفديهنّ بعمرها ... وحفلات القرية أصبحت من أوائل المدعوّين لها !

وضعت اللمسات الأخيرة لزينتها ... مستعدة لحفلة عيد الربيع ... أتتها صديقتها حاملة خبراً تلوّن به خداها أكثر من أحمر خدودها ... و فرحت به أكثر من باقة الأزهار الحمراء التي أتت أيضاً بها ... لقد أتى صديقها ... الزعيم كما تُلقبه هي وصديقاتها ... بل وسيحضر الحفلة ... في اخر لحظة ... إرتدت ثوباً اخر ... إختارته أبيض صافي كصفاء مشاعرها تجاهه ... و ورتبت زهور الباقة على شكل تاج وضعته فوق شعرها ... الذي تركته كحريرٍ أسود مبعثر فوق فستانها ... وذهبت راكضة ... اليوم سترى صديقها ... عاد الزعيم !!!

لم تجرؤ على الإقتراب منه في البداية ... نظرت إلى وجهه ... لم تستطع منع وجهها من الإبتسام فخورة به ... لقد أصبح الان زعيماً بحق ... فالان هو مهندس معماري كبير ... أخذ شهادته أولاً على دفعته ... و أصبحت تصميماته محط إهتمام الكثير من أبناء قريته ومدينته ... بل وغيرهم ... لقد كبر الزعيم ... أصبح الان أطول منها بكثير ... ياااه لقد كانا بنفس الطول ... ولكنه نفسه ... ما زالت لديه تلك الضحكة ... تلك الإبتسامة ... والغمّازة ... تلك البساطة ... وتلك الهيبة والوقار ...

ذهبت لتُسلم عليه بعدما استجمعت كل شجاعتها ... وبعد أن دفعتها كل صديقاتها ... إقتربت خطوة خطوة منه ... لم تكن تُدرك بأنه قد راها قبل الحفلة ... وبأنه كان متحضراً لهذه اللحظة ... وقفت أمامه رافعة يديها للتحية ... ردّ عليها ببرود ... صُعقت ... لقد نست تصرفاته معها اخر أيامهما سوياً ... وتناست كل شيءٍ سيّءٍ عنه ... وبقي ذِكرى جميلة طافية في العقل ... تدق في قلبها بحنان ولطف كل حين ... تستدعيها كلما إحتاجته ... لكنه ما يزال يتذكر كل شيء ... ويعتب عليها عدم سؤالها عنه في غيابه أيضاً ... كان يريد الإنتقام منذ زمن بعيد من عجرفتها و غرورها ... وها قد تحقق له هذا الان ! ... وانتقم رغم عدم معرفته بهذا ... أو معرفته !

بكت وحدها متغطية بألحفها ... كتبت الأشعار ... سمعت أحزن الألحان ... تواسي غبائها ... كيف فاتها بأنّ الزمن يمسح الذكريات ... وما كان ساحراً في بالها قد يكون عنده شيئاً عديم الوجدان ... وبلا صوتٍ ولا ألوان ... مثله مثل العامل في المطار ... شخص مهم جداً كي يختم على جوازك ... ولكنك ما إن تعبر منه مُنهياً عملك معه ... تُمسح ذكراه غالباً من عقلك ولا تورده حتى حين تُعطي الأخبار ... عن رحلتك في المطار !

شاهدته مرّة أخرى عند حسام العطّار ... عندما كانت باحثة عن عطرها الفوّاح ... إبتسم لها يومها ... بل وقال لحسام بأن يُمشيها قبله ويقضي حاجتها ... وعندما خرجا سار معها متبادلاً أحاديثاً طوال ... وأخبرها عن مغامراته الكثيرة ... كعادتهما عندما كانا صِغار ... أخبرها عن الكثير ... ودعاها لحفلةٍ مميزة في بيته وهو اكبر بيتٍ في الأركان ... إبتسمت له بسعادة طفلة وفرحة أًنثى و عادت مسرعة ومصممة بأن أول إستعمال لعطرها الفوّاح قد حان !

عندما دخلت صالة الإستقبال يومها إبتسم لها إبتسامة جعلت قلبها يعاني الإجهاد ... و كادت تقسم بأن ما قد كبر بداخلها سنيناً لم يكن من الأوهام ... سلّمت على أمه بحرارة و بادلتها أمه الحنان ... كان وجه الام مشرقاً أكثر من كل الأيام ... كان هناك ناس من مختلف الألوان ... وأغلبهم غرباء ... بعد مرور ساعة من الإحتفال ... إستلم الأخ الاكبر المايك ... وقال " وأخيراً أخي الصغير قررّ الإستقرار ... نعم أقصد الزواج ... شكراً لكم على دعمكم لهُ في كل مكان " ...

لقد نست هذه الصغيرة كعادتها بأن ما حدث في قلبها قد مرّ عليه الزمان ... وأنّ مشاعر الحب في قلبها كانت عنده نكران ... وبأن كرامته فوق الجميع منذ أن كانوا صِغار ... وبأن الأهم وما ذكّرها به اليوم ... بأنهما من عالمان مختلفان ... فلم يكن عليها منذ البداية أن تبني على الرمال أهرام ... ولكنها إبتسمت ... الان و قد حصّل على الإنتقام الذي كان يرجوه ... فهل ربما سيسامحني على إهمالي له عندما كان يتوجّب علي الإهتمام ؟

عندما التقت به في الغد إبتسمت له بكل ود وكبرياء جذبه لها منذ زمان ... وقالت له : " أتمنى لك كل السعادة و الإستقرار ... يا صديقي منذ قديم الزمان " وقررت أخيراً أن تمضي بالحياة ... وأن تدرك الحدود بين الواقع والأحلام ...

4 قطرة / قطرات:

  1. قصتك بها احاسيس ومشاعر راقية ورائعة

    تحيتي

    ردحذف
  2. سواح في ملك الله :

    شكراً لك حقاً لتشجيعي

    أهلاً بك دوماً :)

    ردحذف
  3. السلام عليكم

    ما كل هذا الحزن؟!!!
    قصة مؤلمة... وينبؤني حدسي أنها حقيقية... من الأسماء التي وردت دون ضرورة لذكرها... هل هي كذلك؟ لا أتمنى...!!!

    تحياتي واعتذارتي على التقصير يا وقود مدونتي.

    ردحذف
  4. ماجد القاضي :

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    مممم لا أظنها بهذا الحزن ... أو هكذا أحسست ... لأن البطلة استطاعت المضي بحياتها ولم تتمسك بامال من الخيال ... ربما لم أستطع توصيل هذا المعنى :)

    ممممم هل هو حدسك أم كتابتي لم تستطع مزج الحقيقة بالواقع جيداً ؟؟ .. لا أدري ... نعم لقد استمديتها من الواقع ... ولكنني تقريباً لم أورد أي أسم كي لا أشبّه شخصيات الواقع بالخيال :) ...

    لا بالعكس والله ... أعذرك كثيراً بسبب ما يحدث عندكم ... ولكنّي لا أنكر بأني أفتقدت وجود كاتب وأخ كبير هنا ... مرحباً بعودتك

    ردحذف

بضع أحرف مرصوصة منك، ستشجعني، تفرحني، تقوّمني ...

لا تستصغر شأنها، وتكرّم بكتابتها لي ..

شكراً لوقتك سيدتي وسيّدي

 

قطرة.من.بحر.الحياة © 2012 | Designed by Cheap Hair Accessories

Thanks to: Sovast Extensions Wholesale, Sovast Accessories Wholesale and Sovast Hair