, ,

طبطبة الهية

تلك (الطبطبات) التي تأتينا على حين غرّة، عندما يكاد الحزن أن يستحكم فينا، عندما يبدأ القلب بوقف أفراحه، عندما تعلن الروح لا استغراب ولا تفاؤل ولا تشاؤم، فتغرق ببحر الرتابة ..

بعد آخر محاولات لالتقرب من الاله، قررت أن تبدأ بتخصيص ورد يومي من القرآن،  " ستتحسن الأمور" قالتها بصوتٍ عالٍ لإقناع نفسها، قرأت قبل أيّام عمّن توّلاها الرب وسهّل وحلّ كل قضاياها المتشابكة والتي لم تبدو لها وقتها أن يوجد حلٍّ لها، ستقرأ القرآن وكفى ..

خصصت ورداً يومياً بمقدار نصف حزبٍ، كان اليوم هو ثاني يوم للورد، قرأت ثاني ربع حزب قبل النوم وأخذها سلطان النوم .. لتفيق من النوم ويبدأ لسانها باللهج " الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا" .. لم تتوقف عن هذا القول حتى عادت للنوم ثانيةً ..

في الصباح فكّرت .. لم يكن لمنامها معنى، بل عبارة عن مشاهدٍ متداخلة، فيها رحلة مدرسية لبلدٍ آخر، هي في الحقيقة تودُّ زيارته، وفيها يتيمة أو أكثر، وفيها منع من ولي الأمر، وتمزيق تلك الورقة التي يجب توقيعها، فيها معاناة وحزن وألم حين طارت القصاصات في الشارع ، فيها نظرة مخنوقة للسماء .. 

استيقظت  وهي مازالت مابين عالم الواقع والأحلام ، حزينة على هذه اليتيمة، متألمة عليها، شاكرة ربها عدم كونها مكانها، على النعمة العظيمة التي تمتلكها، فأكملت الحمد حتى غفت، لتعود ثاني يوم بطاقةٍ أعلى، وأملٍ بدأ بالنمو من نصفِ حزب .. كان هذا هو آخر سلاحٍ لها ..

الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا

,

ثلاث مواقف، مِن رحم الحياة، تستحق التأمل

مضت فترة طويلة منذ آخر تدوينة لي .. لم أستطع خلالها إيجاد أي كلمة لأكتب عنها، فعدتُ لكم بجريدة :)

كم الحياة غريبة وواضحة إن رأيناها من منظورٍ آخر، ولكن يأتي التعجب إن كانت تعمل بنفس المنظومة معنا ... يأتي هنا سؤال يحيرني ... أنحن ظالمون لهذه الدرجة؟ أم نحن مجرد مظلومين ؟ أم إن الأمر لا يتعدى حلقة مفرغة يجب علينا الهروب بأسرع وقت كي لا نصبح جزءاً منها، أو بالأصح كي لا نصبح الجزء الظالم منها، لأنها قاتمة جداً ..

ينتابني سؤال آخر، ياترى، في أي مرحلة من مراحل هذه الحلقة أنا فيها الآن، وهل سأستطيع النفاذ بجلدي كل لا أصبح جلّادة أم إنني سأكون كالآخرين تماماً؟ وهذا ما أرفضه جملة وتفصيلاً وأسعى بكل كياني إلى الخروج عنه، أدعو الله عز وجل التوفيق والسداد ..


لن أطيل بالكلام، سأذكر لكم أمثلة مازلتُ مستغربة منها أشد الإستغراب .. طبعاً الأمثلة لم تحدث معي بالضرورة، فمجرّد سماعنا قصة من صديق أو رؤيتنا لموقفٍ في الطريق، أو ملاحظتنا لتصرف جار في الجوار تكفي لنلاحظ عمق الحياة وتشعبها، عمقها يدعو للتأمل وبصراحة يخيف، وتشعبها غريب سبحان بارِئها ...

1) في العراق، يتم تحديد تكلفة خطوط الكهرباء في المولدات عن طريق عدد الامبيرات، ويكون التحديد من الدولة، في إحدى مناطق العراق حصل الآتي:

كالعادة في الصيف وفي الشتاء قد يختلف سعر الامبيرات لاختلاف ساعات الكهرباء الممنوحة، وهناك شخص مسؤول عن الكهرباء إن تقطع يتم الإتصال به، في إحدى المرات وأثناء إنقطاع الكهرباء ومن أجل دفع مستحقات الشهر الجديد وإرجاعها تمّ الإتصال بالشخص المسؤول ليدور الحوار التالي بين المتصل والمسؤول ..

- السلام عليكم
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
- عفواً أخي الكريم متى تكون في المكتب لندفع لك مبلغ الكهرباء؟
- لكنّي لم أعد أعمل في هذا العمل !
- أتملك رقم الموظف الجديد؟
- كلا
- ولكن لما تركت العمل؟ فأنت ملتزم بمواعيد الكهرباء؟
- لأنهم لا يحبون الإنسان الصادق، لأنني صادق وشريف فصلوني !!
.
.
.

الطريف، الغريب، العجيب، الداعي للتأمل ..


أنه فُصل لأنه كان يطلب مبلغ أكثر من المبلغ الذي يجب أن يطلبه، وكان يضع الباقي في جيبه، دون علم ربّ عمله، ولو قدّم أحداً ما شكوى، فربما -والربما هذه لأننا في العراق- فربما تحدث مشكلة لرب العمل لأنه خالف القوانين التي وضعتها الدولة .. نقطة !


لا أعرف لما الموقف يتردد كثيراً في بالي بصورة غريبة، أتسائل دوماً ماذا يظن بنفسه؟ أهو صريحٌ معها؟ كم أتمنى لو أرى داخله في ذلك الوضع، كم أتمنى أن أعرف طريقة تفكيره وما يحدث معه، لعلّي أفهم، وأستوعب ..

وهذا يذكرني بموقف مشابه:

2) أحد أقارب مرام من أوّل ما قابلته كان يمتدح بنفسه بصورة "زائدة عن الحد أحياناً" كما أخبرتني يوماً ما، لم تعرفه منذ وقتٍ طويل فسبحان خالق المسافات وجاعل الناس يقتربون ويتباعدون حسبما تقتضي الحكمة، ويتعارفون حسبما تقضي الأصول ..

قالت لي بأنه كان يتكلم عن مساعدته لفلان ولفلان ولفلان، كيف انه يعلم ويعلم، وكيف أنه ذو خبرة واسعة ودهاء شاسع، وهو قد لا يكون رغم كل شيء كاذباً تماماً، فلديه الكثير من الحرف المتنوعة التي يتقنها حقيقةً، وكيف أنه لا لأحدٍ من البشر فضلاً عليه ولا أحد وقف معه يوماً، وبأنه يساعد الجميع ..

مرت الأيام والسنين، أخذ قريب مرام مبلغ محترم من أوّل راتبٍ لها، لأنه كان محتاج ولكنه لم يطلبه مباشرة بدأ بالكلام والكلام عن حاجته وبأنه لا يعلم ماذا يفعل فقررت إعارته المبلغ، فاستعاره للأبد .. ولكن لم يقبل لمرام أن تخبر أحداً ما عن ذلك أبداً، كان بكل وقاحة يقف أمامها في الجلسات العائلية ويقول لا لأحدٍ فضلٌ علي أبداً .. وكانت تشعر بأن عينيه تنظران لها بتحدٍّ غريب !

أتسائل، كم لا أحد كان في حياته؟ 

3) موقف قلب تقدري للأمور، ربّما كان له دور كبير في ترسيخ كلمة "العادل" في ذهني، مخيف جداً، ومؤثر جداً، سمعتها من صديقة لإحدى معارفها المتزوجات، لم تذكر لي قط إسمها ..

كانت تتكلم يوماً ما عن دوران الدنيا وهكذا بدأ الحديث، قالت بأنها كانت قبل زواجها تحزن كثيراً من الوعود التي تعطى لها ولغيرها من قبل ذويها ، والتي لم توفّى، كبرت على هذه الوعود، على هذه الكلمات التي لم تتحوّل إلى حقيقة يوماً ما، مرّة بسبب كلمة "الظروف" ومرّة بسبب النسيان ومرّات أخرى بسبب أن صاحب الوعد لم يكن ينتوي تنفيذه ..

كانت تربّى على الإيفاء بالوعد، وعلى حسن التصرف، وهي -حسب شهادة صديقتي- إنسانة حلوة المعشر ولطيفة،

 لم تكن تعطى تلك الإهمية، كثيراً ما تسائلت "الأنني فتاة؟"، أفكارها لم تناقش أو تحمل يوماً ما بجديّة، بل قد تعتبر نوعاً من الهرطقة إن خالفت ذويها، كانت كثيراً ما تخالف بأمور تراها في فكرهم غير منطقية وتناقش لإثباتها بلا فائدة بل وبعدم حسن استماع، بل حتى كانوا يسخرون من تفكيرها أحياناً، ولكن عندما يسمعون نفس الأفكار من شيخ يحبّونه مثلاً، يتبنوها بلا جدال ولا استهجان .. ما كان يجعلها تكره هذا الظلم، لم تحب هذه المعاملة التي تكون من الآباء للإبناء، لم تحب إعتبار الأبناء مجرّد توابع أو أعداء .. 

بعد فترة ومع مرور الأيام وتعاقب الفصول، الذين كانوا لا يوفون بالوعود ولولوا يشتكون، من وعودٍ وعهود ...

كانوا يتكلمون بعصبية عن كيفية وجود إناس بهذه اللامسؤولية، أناس بلا أخلاق ليتصرفوا بهذه التصرفات، كانت نفس المواقف والمشاعر التي عانتها حدثت لهم ولكن بصورة أكبر وربّما أعمق، كيف هناك أناس في هذا العالم يتعهدون بأمور لا ينفذونها وليسوا جادّين بها، كيف وكيف وكيف ...

قالت صديقتي بأنها دمعت عيناها عندما أكملت: "حتّى زوجي، كم أكره هذه الخصلة فيه، لكن لا ادري لما دوماً يمرض عند عدم ايفاء وعوده، مرّة وعدني بأن يأخذني لمكان ما وكنت أنتظر بفارغ الصبر، ذهب اليه ولم يأخذني، ليقع وبالكاد سلم من الموت، وبقي مريض لفترة طويلة بعدها، وكثير من الوعود التي كلما أخلف بوعدٍ معي وحزنت وبكيت، لم أدعِ عليه وحتى عندما أدعي في أقرب فرصة أسحب دعواتي ولكن كلما وعدني وأخلف وأحزن قلبي مرض مرضاً ليس ببسيط، وأنتِ أعلم بأمراضِه !"



لا أعرف لما أشعر بخوف شديد من هذه القصص، طعم المظلومية مر، ولكن كيف بالظلم الذي غالباً لا نشعر بطعمه :( ، لا أريد جرح قلب أي شخص، أصبحتُ خائفة كثيراً من إعطاء الوعود .. كيف ندور نحن بهذه الحلقة المفرغة بدون شعور !!

لا أريد أن أكون يوماً ظالمة، لا كإبنة ولا كأخت ولا كقريبة ولا كغريبة ولا كزوجة ولا كأم والأخيرة هي الأصعب ..

* هل صادفتكم مواقف أثّرت بكم كثيراً أو قصص غيّرت من حياتكم؟ هلّا شاركتموني إيّاها ؟

أتمنى لكم عيداً سعيداً مليئاً برضى الرحمن وتوفيقه .. وزيارة مقبولة مسددة "لي ولكم" لبيت الله عز وجل الحرام ..

 

قطرة.من.بحر.الحياة © 2012 | Designed by Cheap Hair Accessories

Thanks to: Sovast Extensions Wholesale, Sovast Accessories Wholesale and Sovast Hair