,

وتخلصت من الهدية المشؤومة

في تلك الليلة ... لم تستطع النوم ... ظلت تنظر من نافذتها الصغيرة للسماء الصافية ...


أفكار كثيرة دارت في رأسها ... وصراعاً عنيف ... ولكن ؟؟


إنني متعبة حقا اليوم ... لأريح نفسي قليلا قبل صلاة الفجر ... ولكن ليس ذنبي إنني دوماً لا أفيق عليها ... إستلقت على سريرها ... و أغمضت عينيها ... و لكن هذه الذكرى تأبى أن تفارق رأسها ...

منذ سنتان ... كانتا يلعبان كعادتهما حول الأشجار ... كانت هوايتهما المفضلة النظر إلى أوراق الأشجار و تمييزها و حفظها في دفترهما الخاص ... وهذا اليوم كما هي الأيام الباقية ... هكذا ظنت فاطمة ... ولكن ظنوننا ليست دوما صائبة ... أكملتا لعبهما و عادتا إلى المنزل ...  ولكن المنزل كان مظلم ... مظلم جداً ... تشبثت فاطمة بروضة و إمتلأ قلبها بالخوف ... همست لها روضة " لا داعي للقلق عزيزتي ... بالعادة أنا الخوافة ! ... هيا لنذهب إلى المطبخ لنشعل شمعة " ... أجابتها " كلا لنخرج أرجوكِ " ... فضحكت وقالت " هيا بلا جبن لا تجعليني أخاف أنا أيضا " ... مشت الفتاتان ... كانت أعمارهما 16 سنة ... في عنفوان شبابهما ... طبعا يجب أن يمرا على غرفة الجلوس قبل الوصول للمطبخ ... ووقتها حصل ما لم يكن بالحسبان ...

انفتحت الأضواء فجأة ... و أصوات التصفيق علت ... شاركت روضة الوفود ... و كان الجميع سعيداً ... وقال الجميع " كل عااام وأنتِ بخير فاطمة " ... خجلت فاطمة وقتها ولكنها كانت في قمة السعادة ... إحتفلوا جميعاً ... تسللت بعد مدة هي و روضة إلى غرفتها لفتح الهدايا ... أعجبتها هدية والديها ... كانت عبارة عن هاتف جوال غالي الثمن و هو أحدث موديل ... وبمساحة داخلية تبلغ 8 جيغا بايت ... فرحت روضة لفرحها وقالت : " هذا جميل ... فهكذا ستستطيعين أن تنزلي جميع الأناشيد الإسلامية و القران بصوت أكثر من قارئ و المحاضرات ... روووعة " ... لحظتها سكتت فاطمة ولم تعلق ... فلم يكن في بالها إلا تسجيل كل الأفلام الحائزة على جوائز الأوسكار و تسجيل كل ألبومات مطربيها المفضلين ... وغيرت الموضوع ...

بعد أقل من إسبوع وفي يوم سفر روضة الفجائي إلتقيتا ... قالت " أعلم أن السفر سيمنعني من الإتصال بكِ ... ولكن قلبي معكِ ... هذه هديتي لكِ ... كلما سمعت محاضرة منها تذكريني ... وإن شاء الله سأسمعها أيضا كلها و أتذكرك ... و أدعِ ليسهل ربنا عز وجل لنا اللقاء " ... كانت الهدية عبارة عن مجموعة كبيرة من محاضرات السيد كمال الحيدري ... موجودة في فلاش ديسك ... لتضعها في هاتفها وتسمعها ... ومجموعة صور لهما حولتها إلى فيديو لطيف مملوء بأناشيد إسلامية ... لم تكن وقتها تعرف فاطمة ما الموجود في الفلاش ديسك فتشوقت كثيراً لمعرغة الهدية و تعانقتا و توادعتا ...

لم تعجب فاطمة الهدية وقتها ... و شعرت بالنعاس لدى سماعها لأول محاضرة ... فاحتفظت بالفلاش ديسك في صندوق الذكريات داعية أن يهديها الله عز وجل يوما ما و تسمع محاضرة  عندما تكبر ...

جلست من السرير ... لا تستطيع النوم ... و هذه المرة امتلأت عيناها بالدموع ... و بدأت تترقرق ... لقد ذهبت روضة من أجل علاج والدها ... و لم تتركه وحده ... عادت و فتحت الظرف و قرأت الرسالة حرفاً حرفاٌ ...

عزيزتي وأختي الحبيبة فطووم ..

لا يمكن أن تشعري بشعوري الان ... سأعود بعد 36 يوما بالتماااام ... يعني في أول أيام العيد المبارك ... سنقضي العيد سويــــــــــــا ... لقد شفي أبي والحمد لله ... لقد صنعت الحلاوة الجكليتية التي إعتدنا على صنعها و نحن صغاراً و وضعتها في صحون صغيرة و وزعها أبي على الفقراء ... مشتاقة لكِ جداااا ...
أتعلمين لقد وفقني الله عز وجل و أنهيت الثانوية العامة بمعدل 95 والحمد لله ... و كنت محتارة بين الإختيار بين فرعي الرياضيات والإنكليزي في التدريس ...ولكن بالنهاية قررت أن أختار الإنكليزي لأتعلم لغة تساعدني في نشر أحكام الإسلام للعالم ... و أكون داعية لديني ... لقد وفقني الله عز وجل أيضا و أصبحت كاتبة في المجلة الإسلامية هنا ... كل شهر تنشر لي قصة قصيرة ... و دوما هدفها هو نشر الدين الإسلامي و الأفكار الإسلامية الصحيحة ... والحمد لله الإقبال على المجلة زاد ... و دوما كنتِ بطلة القصص ... فاطمة إسمكِ كان دوماً يزين قصصي ... وكانت هذه طريقتي لتذكرك ..

سأخبركِ سراً ... أتعلمين أن سماعي لمحاضرات السيد كمال الحيدري كانت الباب لكل التوفيق بحياتي ... هكذا أشعر ... فقد كان نبراسي للتوفيق و القرب من المحبة والعطف الالهي ... الله يوفقه دوماً ... وقد أنهيت سماع المحاضرات التي وعدتكِ أن أسمعها وبعد كل محاضرة كنت أتخيل ردة فعلك عليها ... و كنت أتخيل بأننا حول أشجار النخيل و السيد كمال الحيدري أمامنا ... نجلس وننصت و لهذا خصصت دفترا لكتابة كل التعليقات و كل ما استفدت من كل محاضرة ... و هذا ما أفادني كثيراً ... يا ترى ما الذي فعلته أنتِ بهذه الفترة ؟ ... وكم مرة ستختمي القران الكريم هذا الشهر ؟ ... إن شاء الله سأختمه 8 مرات ... و سأخصص يوميا وقت لسماع محاضرتين من محاضرات السيد المهاجر ... إنها رااائعة بحق ... وأيضا هذا الشهر غير عن كل الأشهر ... فهو في العطلة الصيفية ...

أعلم بأننا لن نلتقِ إلا بعد شهر رمضان الكريم ... ولكن لا تحزنِ ... فإن شاء الله سنقضي العيد سوياً ... ونتكلم عن كل أخبارنا ... كلي شوق لمعرفة تطوراتكِ و إلى أين وصلتِ ... و إلى أي جامعة ستذهبين ... إن شاء الله نكمل دراستنا الجامعية بنفس الجامعة ... أحبك كثيييييراً و موفقة إن شاء الله تعالى

أختك المحبة لكِ دوما : روضة



بللت دموعها الورقة ... ماذا ستخبرها ؟ ... أإنها قد خصصت وقتها لمتابعة 6 مسلسلات و 3 برامج ترفيهية ؟ ... أم إنها قد حفظت كل أغاني مغنيها المطرب في سباق مع صديقاتها ... أم إنها كانت تنسى أحياناً كثيرة الصلوات و تقضيها في نهاية اليوم بمدة 5 دقائق إن كثرت ... أم إنها كلما ركبت سيارتها فتحت شريط الأغاني بأعلى صوت ... أم إنها كانت تتبارى مع الجميع فتكون دوما الفائزة بأجمل مكياج وزي || إسلامي || ... دوما كانت الافضل و الأكثر أناقة ... جمال ... روح مرحة ... تفائل ... ذكاء وشطارة ...ولكن كانت تفتقد للراحة النفسية ... لقد عرفت سبب علتها الان ... أستترك شيطانها يتغلب عليها هذه المرة أيضا ... ماذا سأقول لكِ  حبيبتي روضة ؟ ... وكيف سأقابلكِ ؟ ... أين أنتِ و أين أنا؟ ... لقد كنت مصممة على دخول مجال الأدب ... لأصبح مشهورة و أكتب كلمات الأغاني ! ... أكملت دموعها النزول ... تركت العنان لها ... صوت بكائها جذب أمها ... فدخلت الغرفة وحزنت كثيرا لرؤية إبنتها الوحيدة بهذه الحالة ... إحتضنتها ... هدأت قليلا و تكلمتا :

-          أماه ... هل الله عز وجل سيرضى عني ذات يوم ؟
-          ولما لا يرضَ عنكِ ؟ 
-          إنني عاصية ... أتبرج و ألبس أضيق اللبس وهذا حرام ... أتغامز و أضحك على البنات الملتزمات بأوامر الله عز وجل ... أستمع طول الوقت إلى الأغاني ... أمزح مع أصدقائي الشباب وأخضع بالقول معهم ... لا أستمع لكلامكِ أنتِ ووالدي ... كل كلامي وأفكاري كانت غير صائبة ... لم أكن أشعر بالراحة النفسية ولا بالسعادة رغم كل شيء ... وهذه روضة ... برغم إنها الأقل جمالاً ... و الأقل  تمكناً ... ورغم حياتها المليئة بالمشاكل ... رغم مرض أبوها و موت أمها المبكر ... كل هذا وها هي كلماتها تنقط بالحب والسعادة و الرضا ... و أنا بنت العز لست راضية عن وضعي مع إن كل شيء تحت يدي ... هي تتذكر الفقراء و تصنع لهم الحلوى ... وأنا بحياتي لم أتذكر فقيراً واحداً ... ياااااااا الله ماذا أفعل ؟ ... ماذا أقول لها ؟ ... كيف أقابلها ... 
-          حبيبتي هوني عليكِ ... تستطيعين مواجهتها بعد هذا الشهر الكريم و رأسك مرفوع ... ولكن إن أردتِ فقط ... 
-          أمـــي ... بعد كل هذا و تقولي لي تستطيعين !!!؟ 
-          نعم ... تستطيعين ... أخرجي كل مداخل الشيطان إلى قلبك هذا ... أتلفي كل مصادر إبعادك عن الله عز وجل ... وإبدأي سنتك هذه بهذا الشهر الكريم الاتي ... لا تتابعي مسلسلاً ... بل كما وعدتها ... إسمعي المحاضرات التي أعطتك إياها ... و إختمي القران ولو مرة واحدة فقط ... و تستطيعين أن تحفظي جزء عم ... بعد غد أول يوم من هذا الشهر الفضيل ... سيساعدك الله عز وجل إن ساعدتِ نفسكِ فقط ... توبي توبةً نصوح ... والله عز وجل يقبل التوبة ... إعزمي النية على ترك المعاصي ... و عندما ستسألكِ عن ما فعلتِ ... قولي لها : " هزمت شيطاني " ... فهكذا ستقربيها إليكِ أكثر ... وترضينا عنكِ والأهم ربك عز وجل سيرضى عنكِ ...... حبيبتي ... أتستطيعين هزيمة شيطانكِ ؟ 
-          بلى يا أماه ... إن شاء الله تعالى ... دوما كنا نتنافس أنا و روضة ... ولكن هذه المرة ... سأجعلها قدوتي وأقتدي بها ... سأتخلص من شيطاني ... وأفي بوعدي لكِ يا صديقة عمري ... و أرفع رأسكِ يا أماه صدقيني

حضنتها أمها و طبعت قبلة على جبينها ... وخرجت و دمعة فلتت من مقلتيها و قالت : " أين أنتِ من زمان يا روضة ؟ "

لم تنم فاطمة هذه الليلة ... توضأت وبدأت بقراءة القران الكريم ... وسجلت المحاضرات على ديفيدي ... و بعد صلاة الفجر لملمت كل أشرطة الأغاني و أتلفتها قبل أن ترميها ... وذهبت منذ الصباح المبكر للسوق ... واشترت 10 عبائات إسلامية لها ... و 60 أم بي ثري بلاير mp3 player  و فيهم محاضرات و القران الكريم و مع كل واحد بطاريتان مع جهاز يشحنهما ... وذهبت لدار الأيتام ووزعتهما عليهم إحتفالاً بالشهر الكريم و رأت السعادة تشع في عيون الأطفال ... لأول مرة تشعر بشعور قوي وغريب جدا ... شعور بالرضا ممزوج بالسعادة ممزوج بشيء غريب ... شيء لا يمكن وصفه ... كانت لأول مرة لا تضع مكياج على وجهها ... و لأول مرة أيضا تشعر بالثقة في نفسها ...  كان اليوم اخر أيام شهر شعبان /1431 هـ ... وأول أيام حياتها الجديدة ...

في طريق العودة ... رن المنبه في جوالها ... فحملته و نظرت إليه بتقزز ... نعم إنه مملوء بالمنكرات ... من أول يوم أهدي إلي و أنا لا أستعمله إلا بما يغضب الله عز وجل ... إنه هاتف منحوس ...  فأوقفت فاطمة سيارتها على الجسر المطل على النهر ، و رمت بهاتفها الجوال في وسط النهر .. وارتسمت على وجهها ابتسامة الرضا .





8 قطرة / قطرات:

  1. غير معرف8/11/2010

    كل سنه وانتي طيبه وبالف خير ..

    وجازاك الله خيرا

    ردحذف
  2. تسلمي ان شاء الله الجميييع :*

    ان شاء الله يجازي الجميع :)

    موفقة عزيزتي :)

    ردحذف
  3. الأخت الفاضلة
    كل عام وأنت بخير بمناسبة حلول الشهر المبارك ، أعاده الله عليك بالخير والبركة.
    تدوينة رائعة ، استمتعت بقراءتها .
    ولك تقديري واحترامي.

    ردحذف
  4. وانت بخير أخي الكريم :)

    الحمد لله إنها نالت إعجابك ... أشكرك على المعايدة

    وفقك الله عز وجل إلى ما يحب هو ويرضى :)

    ردحذف
  5. أختي الفاضلة قطرة وفاء
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    قصة رائعة جداً سلمت يداكِ وما أجمل الجليس الصالح واسلوب الحكمة في تبصير الغير بعيوبه دون أن نجرحه أو نجعله ينفر من الحق

    جعل الله هذا العمل في ميزان حسناتكِ
    ووفقكِ الله إلى ما يحبه ويرضاه منكِ...

    ردحذف
  6. جميلة جداً

    جميعنا خطائون وخير الخطائين التوابين ...

    وكم من أشياء يجب أن نتخلص منها كما تخلصت فاطمة من تلك الأشرطة وذلك الهاتف ..


    تقبل الله منك صالح الأعمال أخيتي الغالية في هذا الشهر الفضيل

    تحيتي وودي

    ردحذف
  7. وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته :)

    الحمد لله إنها نالت الرضا :)

    إن شاء الله تعالى يتقبل منك هذا الدعاء


    ووفقك أيضا إلى ما يحبه و يرضاه إن شاء الله تعالى :)

    ردحذف
  8. معك حق ... ربما نرى الجوال غالي ... ولكن سهولته إنه مادي ... ولكن قلوبنا مليئة بالرواسب الشيطانية إن شاء الله نوفق هذا الشهر بالتخلص منها ... أو على الأقل تقليلها :)


    منا ومنكِ أختي العزيزة ووفقك إلى ما يحب الله تعالى ويرضى

    ردحذف

بضع أحرف مرصوصة منك، ستشجعني، تفرحني، تقوّمني ...

لا تستصغر شأنها، وتكرّم بكتابتها لي ..

شكراً لوقتك سيدتي وسيّدي

 

قطرة.من.بحر.الحياة © 2012 | Designed by Cheap Hair Accessories

Thanks to: Sovast Extensions Wholesale, Sovast Accessories Wholesale and Sovast Hair