أريد أمل -~13*

بعد مضي اسبوعان قرروا أن يجعلوها لأول مرة تقابل عربية وتستمع للغة العربية بشكلٍ حي، بعد أن تأكدوا بأنها هي اللغة المنشودة، لم يتوقع والداها الأمر لأنّ صورة العربي المرسومة في مخيلتهما هو ذلك الشخص الأسمر الذي يرعى الغنم ويربي الماشية، أن تكون فتاة بعينان صافية كحجر التورمالين الأزرق، وبشرة عاجيّة تنافس ببياضها العاج نفسه، وشعرٍ بنّي فاتحٍ، ناعم مسترسلٍ كثيف، هذا مستحيل، أو هكذا كانا يعتقدان، وليسا وحدهما، فهناك الكثير ممن يجهل الكثير عن الكثير ...

توقعت أم كاميليا أن يكون أحد أبوي كاميليا على الأقل أجنبياً وصادق على رأيها الأب، وإلّا ما الذي يجعلها توجد في بلدٍ يقع في قارة أمريكا، وكيف وجدت فيها من غير أي شخصٍ أو شيءٍ يوضح هويّتها؟ ربما لا تكون إبنة شرعيّة فطمست هويّتها في هذا العالم، لكن لم تخبرها بهذه المعلومة ..

لقد استطاعت تمييز اللغة العربية بسهولة كبيرة، بعد ثلاث أيام من اللغات التي قدّمت إليها وتعب الكسندرا معها، كلا الوالدان قدّرا موقف الأستاذة واحترماه، وكانت تستحق هذا الاحترام ...

أصعب جزء من المسؤولية كان عندما سألتها كاميليا بخجل "أستاذتي، هل أستطيع أن أقابل شخصاً عربياً كي أتأكد؟ أعني، أريد أن أستمع لهذه اللغة من متحدثٍ بها" كانت ماتزال مترددة ولا تفهم ما الذي يحدث معها، شرح لها والديها فيما بعد اكتشافها لهذه الحقيقة – استطاعتها فهم لغة أخرى – كيفيّة العثور عليها في وسط العاصفة الثلجيّة قرب منزلهما الجبلي القديم، كيف كانت ثيابها ممزقة وجسدها دامي، كيف كانت تبدو شاحبة وأقرب للموت من الحياة، كيف كانت جميلة جداً وكأنها ملاك، ذكرهما منظرها وقتها ببائعة الكبريت، كيف أنهما اتصلا بالطوارئ، ومسح المكان لم يسفر إلّا عن سيارة محترقة وجثث متفحمة لا يمكن معرفة منها أيّ معلومة لوجودها في وادٍ سحيق يتعذر الوصول إليه، كيف كان ذاك الشهر مخصص لتحديث كاميرات المراقبة في الطرق القريبة من الجبل الذي يكاد يكون مهجور مما جعل من الاستحالة معرفة أي معلومة عن السيّارة أو المسافرين، وخصوصاً أن المناطق القريبة تنتشر فيها أمور محرّمة دولياً يجعل أصحابها في غاية التكتم والسريّة مع الشرطة بل مع الجميع، كيف كانت نجاتها معجزة، كان الأهم هو الكوابيس التي كانت تعانيها وهي تستيقظ تبكي وتنادي "عسل" ...

ضحكت الأم وقالت "لم نفهم في البداية بأنك كنتِ تطلبين العسل فقد كنتي تلفظين الكلمة بطريقة غريبة، لكنّا سرعان ما فهمنا وأكدتِ الأمر لنا بعشقكِ وتعلقكِ به"، لقد تعلق الزوجان الذان لم يرزقان بأطفال بها، لم يكونا يريدان طفلاً لانشغالهما بالعمل والدراسة لكن عندما كانت بين أحضانهما وهي بين الحياة والموت لم يريدا مفارقتها، كان جزءاً كبيراً من اصرارهما ذاك هو شفقة سرعان ما تحوّلت إلى محبّة كبيرة، كانت قد فقدت ذاكرتها وتبدو في غاية الضعف، هي حتى لم تتكلم معهما إلّا بعد أشهرٍ من مكوثها في المنزل، وقتها أخبرهما الطبيب أن هذا قد يحدث بسبب الصدمة والقلق وافتقاد الأمان، وخصوصاً أنّ الفحوص أشارت كلّها بعدم وجود أي مشكلة في النطق، "كنتِ هبة من الرب الذي كنت أشك بوجوده قبل لقائكِ طفلتي" قال لها والدها، فقد اختفت تقريباً أغلب المشاكل التي كانت تهدد زواجه وأمها بمجرد قدومها، وهكذا اعتبراها حمامة السلام البيضاء الخاصّة بهما، لم يرغبا باخبارها بأنها ليست ابنتهما البيولوجيّة لما قد يسبب هذا من صعوبة عليها، وشجعهما على ذلك فقدان ذاكرتها الذي كان هناك احتمال كبير أن يكون دائمياً كما أخبرهما الطبيب، ولأنه كانت هناك آثار لسوء المعاملة متمثلة بضربٍ على أنحاءٍ متفرقة من جسدها - وهذه المعلومة التي لم يفصحا ولم ينويا أن يفصحا عنها لها أبداً -

- كل شيء يشير إلى أنّ والداكِ قد توفيا، فلم نرد أن نجعلكِ تظنين ولو ليومٍ بأنّكِ قد تكوني عضوٍ دخيل أو غير مرغوب فيه، لم نرد أن نجعلكِ تفكرين بهذا ولو للحظة، فأنتِ ابنتنا!


قالها الوالد ضارباً على صدره بقوّة، كانت هذه العمليّة من أصعب ما مرّ عليهما في حياتهما، لأنها تختص بأعز ما يملكان، ولكن احتضانها لهما بحنيّتها وبكائها، قولها لهما " شكراً، أحبكما" جعلت أجزاء المحبّة التي بنيت على ركام تكتمل، وكل شكٍّ ربما كان في القلبِ يندثر ..

2 قطرة / قطرات:

  1. سلام عليكم..
    سبحان من وهب من فقد وأفقد من وهب لحكمة وغاية..
    لا شك بأن اي معاناة تمر بالانسان لها ، جانب من الرحمة والحكمة لا تتكشف ولا يكتشفها إلا من ظل قلبه متعلقاً بالامل . كثيرة هي التجارب الدالة على ان التمسك بالامل في احلك الظروف قتامة ، يوصل صاحبه الى حيث يأمل واكثر كيف والامل الكبير هو الله الذي لا يفارق الانسان ، فيريه من آيات لطفه ما يبهر العقول حيرة وتدبر .
    حتى يأذن الله بتتمة تسكب الدمع فرحاً كونوا بخير حال

    ردحذف
    الردود
    1. سبحانه وتعالى ...

      مهما كتبنا نحن ومهما حاولت أفكارنا أن تصف رحمة الله عز وجل وعنايته نبقى نرى بنظرة قصور، ذلك اننا لا نرى الّا جانب الحياة الدنيا ويغفل عنّا عالم البرزخ والآخرة وما الذي يمكن أن يكون فيهما من تخفيف عقاب ورحمة من الله عز وجل بسبب بعض الأمور التي فعلناها ونجدها بسيطة ..

      إن شاء الله، اقتربت التتمة بإذن الله

      حذف

بضع أحرف مرصوصة منك، ستشجعني، تفرحني، تقوّمني ...

لا تستصغر شأنها، وتكرّم بكتابتها لي ..

شكراً لوقتك سيدتي وسيّدي

 

قطرة.من.بحر.الحياة © 2012 | Designed by Cheap Hair Accessories

Thanks to: Sovast Extensions Wholesale, Sovast Accessories Wholesale and Sovast Hair