وتخلصنا من الأريكة القديمة !


   لم أكن أتخيل أبداً أنني سأشتاق لها !


 كانت ملقاة بإهمال في الممر القابع خلف المنزل ... كانت قديمة ورثّة ... وملأى بالأتربة ... لم يعرها أحدٌ ما إهتمام ... ولا أحد ! ...

ولكنها لم تشتكِ لي أبداً ... ولا لأي مخلوق ... حتى إنني لأظن بأنها لم تتذمر للأرضية ولا للجدران ... كانت واقفة بإعتزاز وشموخ ... مما يجعلني أجزم بأنها من المحال أن تكون مصنوعة إلّا يدوياً ... لتُظهر من صاحبها ما خبأه القدر بين صفحات شخصيته ... يغطيها شرشف أخضر مطرز بحبّات المطر ... و وريقات الشجر ... وتلك الفراولة التي إنتبهت لها مرّة صدفة ولم أعرف ما الذي أتى بها للحن الخيوط ... ربما أتت لتُحدث فرقاً باللحن ... أو لكي تذكرني بأنه ما زالت الحياة ... وهم !

كنتُ كلما أحسستُ بالضيق أو بالهم أو بالحزن أو حتى بحاجة إلى وقت لنفسي فقط ... لمراجعتها أو محاسبتها أو حتى للإبتعاد عنها أذهب لها ... أجلس بكسل أو تكاسل على حسب حالتي المزاجية حينها ... وأبدأ بتأمل الحديقة المؤلفة مِن شجرتين أحاول دوماً الإهتمام بهما ... هما وحدهما اللّتان صمدتا في التربة الصعبة لحديقتنا ... لم يكن أحد يهتم بهذا المكان ... كان خاصّاً لي ... وبعيداً عن الجميع ... أخواتي الخمس اللاتي يزعجنني دوماً ... لم يكن هناك أحد يفهم ... ولا أنا نفسي ... لما أرتاح بعد مكوثي هناك بقليل ... أنسى نفسي ... وينسوني ...

كنتُ دوماً أعتبرها منطقة مقدسة ... مع إنني لم أهتم بنظافتها أبداً ... ألا يكفيني المساعدة في أعمال المنزل الكثيرة ... ولأعترف ... لا أحب الأعمال المنزلية أصلاً ... أحياناً كانت تنزل الطيور خصيصاً لي ... تغني لي و ترقص ... تتطاير فرحاً بي ... مما يجعلني أُفرغ موجات حزني بدموع حارّة تكاد تحفر وجهي ... بعدها أبتسم مجاملة لمحاولاتها الجادة ... وبالنهاية أستسلم لضحكة من الأعماق ... وإبتسامة تجعلها تتنافس اكثر على إسعادي أكثر ... وهي مدركة بأنها نجحت سلفاً ...

ذات يوم إقترحت ريّانة -أختي الكبرى- هدم ذاك الجدار و إعادة ترميم الغرفة ... أو بناء غرفة جديدة تناسبنا نحن البنات ... فحتى لو تزوجت فنحن –حسب إدعائها –لا ينبغي أن نشعر مثلما شعرت ... لحد الان لا أعرف بما كانت تشعر ... ولا أظن أني سأعلم فهي لم تكن الأقرب لي يوماً رغم عشقي لها ... كنا نبرع بالمنافسة ونُبدع ولم ننجح عندما نتنازل و نثرثر ! ... ولكننا جميعنا رحبنا بالفكرة ... أخيراً ستصبح لي غرفة في المنزل ... أبقى بها وحدي بلا أي مزعج أو متسلل !

بدأوا بإزالة الجدران لإعادة التصميم ... أخلوا المنطقة و رموا الأريكة و قطعوا الشجرتين ... بالنهاية بُنيت الغرفة التي لم أهنأ أبداً بها لأني تشاركتها مع ريّانة لأننا الأكبر ! ...

بينما كنتُ أرتب الفوضى وجدتُ شرشف الأريكة ... وأكتشفت بأن تلك البقعة لم تكن فراولة ... بل أثر رمانة أكلتها ذات يوم على تلك الأريكة ... تمنيت بأن الشرشف بقي على الأريكة ... ولم أكتشف سرّ الفراولة الذي كنتُ أبقى ساعات أفكر به ... وددتُ لو لم يهدم ذاك الحائط ولم تقطع الشجرتان ... ويا ليتني ... يا ليتني ... أبقيتُ على الأريكة ... يكفيني منها الذكريات !

2 قطرة / قطرات:

  1. ازيك ياقطرة

    فللقديم سحر

    وللتاريخ عبق يجذبك

    تحيتي

    ردحذف
  2. الحمد لله بأحسن حال :)

    معك حق ... لا أعرف سر سحر القديم ولكنني أحب هذا السحر ...

    أهلاً بك هنا دوماً :)

    ردحذف

بضع أحرف مرصوصة منك، ستشجعني، تفرحني، تقوّمني ...

لا تستصغر شأنها، وتكرّم بكتابتها لي ..

شكراً لوقتك سيدتي وسيّدي

 

قطرة.من.بحر.الحياة © 2012 | Designed by Cheap Hair Accessories

Thanks to: Sovast Extensions Wholesale, Sovast Accessories Wholesale and Sovast Hair