أريد أمل -~8*

في ربوع منطقة موشحة بالأزهار، مكللّة بالجبال، قي بيتٍ مملوءٍ بالزجاج، في غرفةٍ فيها أحلى أثاث، في مكانٍ لم تحلم يوماً ما أن تملك مثله، أعادت قراءة رسالتها للمرّة الأخيرة وطوتها، مرفقة معها بعض الصور المهمة، هل سيغفر هذا لها ما فعلت؟ ولكن على كلّ حال الأوان قد فات، لكنّها كانت ما زالت تأمل ببعض الرحمة التي قد تنقذها في العالم الآخر الذي باتت قريبة جداً منه .. هل هناك أيُّ أمل؟

دخل المحامي ومعه المشتري، أتمّت الصفقة بأسرع ما يمكن، لا يمكن أن تأتي لها النوبة الآن، يجب أن تكمل ما بقي لها من الأعمال، لم تدم المقابلة أكثر من دقائق، مجرد توقيع وأخذت الوصل، كل القصّة بدأت بسبب هذا الوصل، كل الجرائم التي سبّبتها كانت بسبب هذه الورقة، كانت تقاوم رغبة كبيرة لإحراقها لكن هرعت مسرعة للحمّام تكاد تختنق، نزعت النقاب والحجاب والعبائة بسرعة، إنّ الأمور تزداُ سوءاً يوماً بعد يوم ..

لم تأخذ معها سوى كفنها، طلبت من طبيبتها في المستشفى قبل رجوعها أن تستدعي أحد المسلمين وتجعلهم يتولّون تشييعها حين الموت، وافقت الطبيبة، كانت معها طيّبة جداً، أتستحق هي كل هذه الطيبة؟ كانت دوماً تسأل نفسها هذا السؤال ..

نظرت آخر نظرة أمام المرآة، تلك الحبوب المقرفة التي تملؤ فمها وجسدها، كم أصبحت مقرفة، أهي نفسها تلك التي كانتها قبل ثمان سنوات؟ كم كانت جميلة ومعتدّة بنفسها، كانت تستطيع لفت نظر ورأس أيّ شخص، اليوم هي قادرة على تنفير أيّ شخص من دون أدنى جهد، كانت لا تتقن إلّا الاهتمام بنفسها والتدبير المنزلي، لكن لفقر عائلتها الشديد لم يرغب بها أي رجل بصورة محترمة، تربت في أفقر منطقة في بلدها وسط جميع الوحوش الإنسيّة والحيوانيّة، لكنها لم تسمح لأي وحشٍ منهم بالاقتراب منها، كانت تطمح للأفضل، للأغنى، للأحسن، ولم يكن الموجودين يرضون غرورها أبداً ..

عند السادسة عشر من عمرها وبعد وفاة والديها بحادثة بدأت بالعمل، كانت تطرد من أغلب البيوت بدون ذنب لأن أزواج النساء كانوا ينظرون لها بطريقة تقلق أيّ امرأة، لم تكن تبقى في أيّ عمل أكثر من ثلاثة أشهر، تعوّدت الانتقال من أسرة لأخرى، كانت تشعر بالوحدة الشديدة المتزايدة يوماً بعد يوم، لكنها كانت ماتزال تريد الأفضل، فلم ترضخ لأيّ ذبابة تطن حولها، كانت تريد رجلاً لها وحدها، في مملكة تخصّها هي فقط، كانت هذه هي أمنيتها الوحيدة ..

بدأت الفترة بين كل عملٍ وآخر تزداد، بدأت تكتفي بوجبة واحدة يومياً، إلى أن فتح لها الحظ بابه، أو هكذا ظنّت وقتها ..

في إحدى الأيام وبعد أن طردت من عملها الأخير بإسبوع، قدم لها رجلٌ رأته في بيت مقرِّ عملها، لقد بحث عنها ووجدها، وها هو يزورها في شقتها المكوّنة من غرفة واحدة ومرفقاتها، كانت سيّارته الحديثة قد خطفت ألباب كلّ سكّان منطقتها، أدخلته المنزل وهي تكاد تطير من الفرح، كان يمتلك كل شيء قد تحلم به، وأكثر ..
           
لم يأتِ من أجلِ الزواج ولا من أجل أيّ شيء قد خطر على بالها، كان يريد أن يعرض عليها صفقة، أطلق عليها وقتها "صفقة العمر"، لقد كان صادقاً وللكلمة معانٍ كثيرة ..

4 قطرة / قطرات:

  1. مرحبا قطرة
    دائما مانستمتع بكتاباتك

    ردحذف
    الردود
    1. أهلاً بك أخي سواح بعد طول غياب ^_^

      أسعدني مرورك ... دمت في حفظ الرحمن وتوفيقه

      حذف
  2. سلام عليكم..
    صفقة العمر.. لها معانً كثيرة ، قد تكون الصفقة هي الامل او مدخل وسبباً للامل ، صفقة العمر تعني بأختصار للكثير من الناس محو ايام البؤس والشقاء واستقبال ايام السعادة والهناء ، هي صفقة وخطوة في تحقيق الامل بالحياة بشكل صحيح .
    تبدو صفقة العمر بالنسبة لصاحبة القصة جلبت عليها الحسرة والندامة ، وهذا من سوء التوفيق بالنسبة لأي احد يكون امله صفقة خاسرة ..
    حتى يأذن الله بالتتمة اتصور بأنا نواكب ثلاث قصص من ثقافات مختلفة كلها تبحث عن امل ، كونوا بخير امل

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

      معك حق ... ربما حدث ما جعل الصفقة تأخذ بعداً آخر ... هذا ما يحدث غالباً ... نحن نخطط ... فنرانا جزء من مُخطط آخر ...

      تحليلك قريب ولكنه ليس صائباً مئة في المئة ... حتى يأذن الله عز وجل بجزء آخر كونوا في حفظ الرحمن وتوفيقه

      حذف

بضع أحرف مرصوصة منك، ستشجعني، تفرحني، تقوّمني ...

لا تستصغر شأنها، وتكرّم بكتابتها لي ..

شكراً لوقتك سيدتي وسيّدي

 

قطرة.من.بحر.الحياة © 2012 | Designed by Cheap Hair Accessories

Thanks to: Sovast Extensions Wholesale, Sovast Accessories Wholesale and Sovast Hair